صوب منطقة محاطة بمبان ومحال تجارية وفضاء مفتوح للحرية
والكرامة يولي شباب وأحرار اليمن في العاصمة اليمنية وعدد من المناطق
والمحافظات وجوههم للدخول في طقوس مختلفة تختزل أجواء وطن مفترض يطمح
المعتصمين تحقيقه .
هناك لاتشعر أن الرئيس علي عبدالله صالح هو الرئيس الفعلي
لليمن أو على الاقل لهؤلاء الشباب الذين تفننوا في أشكال التعبير عن مطلبهم
الواضح برحيل صالح .
في الطريق إلى مشهد إفتراضي ليمن الغد وأنت قادما إليها من
"بوابة القادسية " يقابلك عدد من أفراد الأمن والأطقم العسكرية التي تقول
أنها تحمي المعتصمين فيما يحسب عليها الكثير غيابها يوم الأربعاء الفائت
أثناء قتل بلاطجة النظام لطالبين بعد اقتحام حرمة وطنهم المفترض .
بعد عملية تفتيش تنتقل إلى حاجز أمني آخر شكله الطلاب لضمان
حماية المعتصمين سلميا ومنع دخول البلاطجة أو الأسلحة والهروات إلى داخل
الاعتصام .
عند انتقالك من الحاجز الأول يقابلك الحاجز الأمني الثاني
والثالث لشباب يعملون ليل نهار على حماية زملائهم في موقف يحتم على الجميع
خلع قبعات الاحترام تقديرا لهم .
قبل أن تواجهك خيم المعتصمين المطرزة بصور وعبارات الرحيل
المنوعة والفكاهية تجد لافتة كبيرة موجهة رسالتها لابناء القوات المسلحة
والامن مفادها " جيش اليمن ياأحرار ساند شعبك المغوار".
في الساحة تجد الشباب والمعتصمين يملؤن المكان في حركة دؤبة
ومهرجانات متنوعة ، وطقوس خاصة .
قبل ان تصل إلى منصة الاعتصام تجد جماعات عديدة تمارس
فعاليات مختلفة بين من يرقص على هتافات الرحيل ، ومن يرقص على أصوات الطبول
، ومن يردد الزوامل الشعبية في حركة دؤبة سيرة وجيئة .
تجد صور الرئيس حاضرة بقوة ولكن ليست بالهيئة التي عرفناه
خلال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ..ستجد صورة تجمعه بالمخلوعين السابقين
من زملائه في القمع والاستبداد وهم يمارسون الشحاتة ، وستجد صورا أخرى وهو
بحالات ووضعيات مختلفة تتنبأ بوضعه بعد الرحيل .
شباب الجامعة تنافسوا في إبداعاتهم الفنية من رسوم وشع
ارات للرئيس في مشاهد لايحسد عليها ، هناك لاصوت يعلو فوق
صوت "أرحل" ، وهناك أيضا لحمة وطنية متماسكة تجسد الوحدة الوطنية التي
زعزعها نظام الحكم خلال سنوات حكمه البائدة .
إنها الثورة من إعادة أواصر الوحدة بعد أن دمرها نظام حكمه ،
هي الثورة التي تنظر للجميع كمواطنين يمنيين متساوين ، بعد ان صنفهم
النظام بالبرغلي وأصحاب مطلع ومنزل والانفصال والحوثي ... هناك كل أيادي
اليمنيين من مختلف المحافظات والمناطق متماسكة وصوتهم واحد يجاهر بمطالب
الرحيل .
في ساحة التغيير كما أطلق عليها ستجد أشكال احتجاجية من نوع
جديد ستجد الشعراء وكأنهم في سوق عكاظ يتسابقون في ما جادة به قرائحهم،
لكنهم يتفقون جميعا في هدف القصائد المعبرة عن هموم الوطن وحال المواطن ،
وخيار الرحيل .
هناك لاتتوقف الحركة خلال 24 ساعة تستمر خلالها الأهازيج
والأغاني والرقصات والهتافات ، وهناك أيضا وجد الشباب مساحة ليعبروا فيها
عن أنفسهم وطاقاتهم التي هدرها هذا النظام المغتصب للسلطة .
في ميدان التغيير ستجد معارض صور ومعارض رسومات كاريكاتيرية ، وستجد فرق شبابية تغني لليمن وتهتف ضد الرئيس .
بعبارات متنوعة سيقول لك الشباب هناك أنهم سئموا الرئيس
وملوا منه وكرهوه .. ستجد معاناة البطالة مسطرة على ملصقات ولافتات كبيرة ،
وستجد إحصائيات مذهلة للوضع الذي يعيشه اليمنيون اليوم .
المملكة الصالحية عبارة تعنون ملصقات ولافتات عديدة موزعه
في كل فناء الساحة ومزينة لخيم وجدران المكان ، تتضمن أسماء أقارب الرئيس
الذين يحكمون اليوم ويستولون على المؤسسات العسكرية ومفاصل الحكم في البلد .
هناك وضع استثنائي ، فإذا كنا طيلة 33 سنة لا نجد سوى صور
فخامته في الشوارع والمكاتب الحكومية ، فأن صور ثوار اليمن ومناضليه خلال
أكثر من ستة عقود شامخة في سماء الساحة وجدرانها وخيمها .بل قد تجدها متوجه
لرؤوس كثير من الشباب والمعتصمين .
هناك ستجد صورة الشهيد إبراهيم الحمدي الرئيس اليمني الأسبق
الذي بذل روحه وكل ما بوسعه من اجل رقي وتطور اليمن .. ستجدها هناك بعد أن
ظل النظام الحالي مستبعدها لأكثر من عقدين من الزمن من المتحف الوطني
وصالة القصر الجمهوري ، هي هناك شامخة يحتضنها حب اليمنيين الذين لايزالون
يبحثون عن قاتل رئيسهم المفضل . وستسمع أصواتهم وهي تدوي بهتاف : ياحمدي
عود عود .. شعبك يشحت في الحدود . يخاطبونه وهم يدركون أنه الوحيد الذي صنع
لهم قيمة في الداخل والخارج .. يستنجدون به وهم يعرفون أنه من خاطب آبائهم
ذات يوم في الرياض قائلا :أنتم هنا سفراء ..، ليعاملوا فعلا بهذه المكانة ،
حتى أن اليمني كان يفاخر وهو يخاطب الجهات الحكومية وحتى الشعبية في
السعودية عند ابسط مشكلة تواجهه بعبارة :" راجع الحمدي" . كانوا يقولونها
ورؤوسهم في السماء شموخا وعزة.
في ساحة التغيير ستجد صور المناضلين من أبو الأحرار محمد
محمود الزبيري ومحمد أحمد النعمان,و قائد الثورة علي عبد المغني والرئيس
سالم ربيع علي بعد أن غيب دورهم النظام الحالي واكتفى بتسمية بعض الشوارع و
المدارس بأسماء بعضهم فقط ..
هناك لم يعد الزبيري والنعمان وعبد المغني وسالمين مجرد اسماء لش
و
ار
ع بل مصدر إلهام لثورة شبابية ستدك جبروت وظلم النظام
الحالي ،وتعمق الوحدة الوطنية وتضع أسس ليمن جديد مواكب لتطورات العصر
وطموحات شبابه. وهناك حتما ستواجهك صور الثائر "جيفارا".
إنهم شباب جديد لكنهم ليسوا منقطعين عن تاريخهم
وماضيهم وتراثهم ، فهم يتكأون على تراثهم النضالي لخلق ثورة حقيقية تعيد
الاعتبار لكل شهداء ومناضلي اليمن.
في ساحة التغيير لم يقابل الشباب تهديدات النظام باستخدام
العنف والفوضى تحت ذريعة ساذجة تتمثل بحماية الجمهورية بل بعبارات "ارحل"
المرصوصة بالورود .. هذه هي ثقافتهم ،وهذا هو خيارهم السلمي ، الذي سيهزم
المدفع والصاروخ .
البعض قابل خطاب الرئيس بحماية الجمهورية بالتندر ،
وصار يحاكمه باسئلة تستفسر عن ماذا تحقق من أهداف الثورة .. تساءل الشباب :
أين التعليم المجاني والأمية تكتسح البلد ؟ أين الخدمات الصحية المجانية
والمرض يفتك بالناس؟ أين المؤسسات العسكرية الوطنية غير الأسرية التي تحمي
البلد ؟ أين المواطنة المتساوية وإزالة الطبقات .؟ أسئلة كثيرة يدعم فيها
الشباب مطلبهم برحيل الرئيس ؟ .
لم يكتف الشباب بذلك بل استخرجوا لرئيس الجمهورية شهادة
تخرج كانت نتيجتها النهائية سالبة بعد رسوبه في كل المواد المقررة وهي
الصحة ، والتعليم ، الداخلية ،الخارجية ،والثقافة ،التجارة ،والاقتصاد
،والزراعة وغيرها من المواد التي حصل في كل مادة منها على درجة صفر .
من صنعاء يعلو صوت شباب التغيير وهم يتضامنون مع إخوانهم في
عدن الذين تعرضوا لمجازر بشعة من قبل نظام غضب لتخلي الناس عن مطلب
الانفصال وصار يطالب بتغيير النظام .
ومن ساحة الحرية يدوي صوت المرشدي وهو يهدر بأغنية "أنا
الشعب زلزالة عاتية" ، ورائعته "نشوان" ومن هناك يغني أيوب "لمن كل هذي
القناديل " ،و "بلادي بلاد اليمن ". وهناك تسمع سمفونية أحمد بن احمد قاسم "
من كل قلبي أحبك بابلادي يايمن" ، وفيها أيضا تعلو الأناشيد الوطنية
المتنوعة .
هو مشهد وحدوي ثوري لامثيل له يجسد طموح اليمنيين وآمالهم نحو غدا أكثر إشراقا وتماسكا ورقيا.
في وطن الشباب ستجدهم ينضفون المخلفات ، وينضمون شؤونهم ،ويساندون بعضهم ، بدون ملل أو كلل .
إلى ساحة التغيير تقاطر العديد من أعضاء المؤتمر الشعبي
العام ليعلنوا للشباب استقالتهم من الحزب الحاكم الذي سفك دمهم وقمع
مظاهراتهم السلمية ، وخاطب بعضهم بخطاب مناطقي نتن . وفيها أعلن عدد من
الجنود انضمامهم إلى مطالب الشعب .
منصات الساحة وميدانها لم تقتصر على الخطابات والهتافات والأناشيد والقصائد الشعرية ، بل شهدت مقاطع فكاهية ، وفقرات ثقافية متنوعة .
وفي الساحة أيضا يتواجد الباعة المتجولين الذين وجدوا من
ساحة الاعتصام سوقا رائجة لمتطلبات الشباب المعتصم ، البعض منهم زين عربيته
المتنقلة بصور وشعارات التغيير فيما تسابق البعض لتسمية محله أو عربيته أو
حتى مكان افتراشه على الرصيف الذي يبتاع فيه بـ"ثورة الشباب " كأسلوب
ترويجي لسلعهم .
في محيط الساحة تفتح المحال التجارية حتى وقت متأخر من الليل حيث شهدت المنطقة ازدهارا تجاريا كبيرا.
عبارات الرحيل التي صبغت الجدران والأعمدة والمباني ، رسمت أيضا على الإسفلت ، فسقف التعبير هناك ليس له حدود أو خطوط حمراء .
هذه مشاهد مختصرة لبعض مما يعتمل في وطن التغيير الصغير الذي سيكبر بحجم اليمن في القريب العاجل.